قبل الولوج في هذه المسألة ، لابد أن نشير إلى أن هنالك فرقاً بين دراسة مذهب من المذاهب الأربعة المشهورة ، وبين الالتزام بالمذهب ، أو الانغلاق على الأقوال المذكورة في المذهب .
فقد يرى بعض طلبة العلم أن أحسن وسيلة تناسبه لطلب العلم هي دراسة متن من المتون المشهورة عند العلماء ، أو قد يضطر بعض طلبة العلم إلى سلوك هذا الطريق لأن الواقع الذي يعيشه يفرض عليه ذلك ، فهذا الأمر في حد ذاته ليس فيه محذور إذا تحرر هذا الدارس من التعصب والانغلاق على الأقوال المذكورة في المذهب .
ومع هذا فالأفضل لطالب العلم إذا أراد أن يستفيد من وقته وطاقته ، ألا يسلك هذا الطريق إلا في مرحلة متأخرة من طلبه للعلم ، فقبل أن يبدأ بالمتون التي هي من كلام من يخطيء ويصيب فليبدأ بالمتون التي هي من قول المعصوم .
وهذه المتون الفقهية المذهبية أو غير المذهبية فيها فائدة أشار إليها العلاَّمة الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحم الله الجميع ، في شرحه لكتاب التوحيد قال ” فإن قلت : فماذا يجوز للإنسان من قراءة هذه الكتب المصنفة في المذاهب . قيل يجوز من ذلك قراءتها على سبيل الاستعانة بها على فهم الكتاب والسنَّة وتصوير المسائل فتكون من نوع الكتب الآلية . ا.هـ
ونحن لسنا مع من يزهِّد في كتب الفقه التي تهتم بشرح متن في المذهب ، فإن هذا النوع من الكتب فيه فائدة قد لا يجدها طالب العلم في غيرها ، فهي تعين طلاب العلم –وخاصة المفتين منهم- على تصور المسائل ، فمثلاً إذا راجع طالب العلم مسألة في كتاب من كتب شروح السنَّة ، فإنه قد يفوته المعرفة بما يلحق بتلك المسألة من فروع وحالات لا تظهر غالباً إلا لمن يتصدى للفتوى . ومثل هذه التفريعات وما يلحق بالمسألة من استثناءات وحالات خاصة لا يمكن لطالب العلم أن يتصورها ويلم بها إلا إذا راجع مثل هذا النوع من الكتب ، صحيح أن أصحاب هذا النوع من الكتب قد يأتون بمسائل مستغربة أو مسائل خيالية لا يمكن أن تقع ، لكن ينبغي لطالب العلم أن يميز ، وأن ينتقي منها ما يحقق حاجته.
قال شيخنا ناصر الدين حفظه الله تعالى في كتابه كشف النقاب (ص51 ) ” هذا طرف مما ذكرته – هناك – من الثناء على الأئمة المتبوعين والذب عن بعضهم وما يجب أن يكون عليه أتباعهم ، وفيه التصريح بإقرار الانتساب بشرط إيثار الحديث على التقليد وأستطيع أن ألخص ذلك هنا بما يلي : إن الانتساب إلى أحد كوسيلة للتعرف على ما قد يفوت طالب العلم من الفقه بالكتاب والسنة أمر لابد منه شرعاً وقدراً ، فإن مالا يقوم الواجب إلا به فهو واجب وعلى هذا جرى السلف والخلف جميعاً يتلقى بعضهم العلم عن بعض ولكن الخلف إلا قليلاً منهم خالف السلف حين جعل الوسيلة غاية فأوجب على كل مسلم مهما سما في العلم والفقه عن الله ورسوله من بعد الأئمة الأربعة أن يقلد واحداً منهم لا يميل عنه إلى غيره كما قال أحدهم ” وواجب تقليد حبر منهم …” “