هذه المسألة من المسائل التي وقع الناس فيها بين إفراط وتفريط ، إفراط الخوارج الذين لا يعذرون بالجهل وتفريط المرجئة الذين يعذرون بالجهل مطلقاً ، فالمتفق عليه عند أهل السنة أنه لا بد من إقامة الحجَّة ولم يخالف في ذلك إلا المعتزلة ، لذلك فمن الأمور المهمة في بيان حقيقة الخلاف في مسألة أحكام الإيمان والكفر أن نعلم أن هنالك من يقرر هذه الأحكام في العموم دون تقييد وبعضهم يقررها في حالة المعين فلا كفر عنده إلا بعد بلوغ الحجة لذلك المعين ولا يكفر إلا بعد جحودها . وهذا قول باطل إذا علمنا أن الحجة قد تقوم ولو لم يجحدها المكلف كأن يقول ما فهمت أو يعرض عن سماعها كما سيأتي بيان ذلك . كما أن الحجة قد تقوم ولو لم تبلغ المكلف لأن شرط الرسالة كما في قوله تعالى ” وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ” هو التمكن وليس البلوغ كما سيأتي .
●وعلى كل حال فإن مسألة إقامة الحجة والعذر بالجهل من المسائل التي كثر فيها الخلاف عند كثير من أهل العصر حتى إن من الباحثين في هذه المسألة من حمَّل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وكلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب مالا يحتمل فتجد بعضهم يقول إنهما يعذران بالجهل وآخرون يقولون إنهما لا يعذران بالجهل والذي يظهر والله أعلم أن المسألة فيها دقة وذلك أنه لابد من التفريق بين إقامة الحجة وبلوغ الحجة وكذلك فهم الحجة كما أنه ينبغي أن يلاحظ أن بعض العلماء ومنهم أئمة الدعوة في نجد يفرقون بين الجهل و عدم إقامة الحجَّة ، لأنه ليس كل جاهل لم تقم عليه الحجَّة كما أنهم يفرقون بين الأمور الظاهرة وأصول الدين ، فالظاهر عندهم كل ما قامت عليه الحجَّة ويكفي في ذلك بلوغ القرآن وأما أصول الدين فمنها ما قامت به الحجَّة على فئة معينة ومنها ما لم تقم ، فبينهما عموم وخصوص وجهي فالأمور الظاهرة ما قامت عليه الحجَّة من أصول الدين وفروعه – إن صح التعبير – وهي التي تعلم العامة والخاصة من المسلمين أنها من دين الإسلام ، وهذا ملحظ مهم لا بد من التنبه له حتى نفهم كلام أئمة الدعوة على الوجه الصحيح .
●فقول الله تعالى ” وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ” لا يعني ذلك أن من شرط الرسالة بلوغها إلى كل مكلف بل شرطها أن يتمكن المكلف من العلم بها كما نبه على ذلك شيخا الإسلام ابن تيمية وابن القيم (انظر مجموع الفتاوى 28/125، تهذيب المدارج ص139) قال تعالى {فمالهم عن التّذكرة معرضين ، كأنّهم حُمُرٌ مستنفرة ، فرَّت من قسورة ، بل يريد كل امرئٍ منهم أن يؤتى صُحُفاً منشّرة} فالأمر مبناه على التمكن ، قال تعالى {قل فلله الحجّة البالغة} أي لمن أرادها وبحث عنها .
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب (الدرر 8/90) ” وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه فان حجَّة الله هو القرآن فمن بلغة القرآن فقد بلغته الحجَّة ، ولكن أصل الإشكال أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجَّة وبين فهم الحجَّة فإن أكثر الكفار والمنافقين من المسلمين لم يفهموا حجَّة الله مع قيامها عليهم كما قال تعالى {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} (44) سورة الفرقان ” (انظر أيضاً فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم 1/73 , 12/ 190)
وفي الدرر (8/79) قال الإمام في رد له على رجل يدعى ابن عبد الكريم ” وأما عبارة الشيخ التي لبسوا بها عليك فهي أغلظ من هذا كله ولو نقول بها لكفرنا كثيراً من المشاهير بأعيانهم فإنه صرح فيها بأن المعين لا يكفر إلا إذا قامت عليه الحجَّة فإن كان المعين لا يكفر إلا إذا قامت عليه الحجَّة فمن المعلوم أن قيامها ليس معناه أن يفهم كلام الله ورسوله مثل فهم أبي بكر رضي الله عنه بل إذا بلغه كلام الله ورسوله وخلا من شيء يعذر به فهو كافر كما كان الكفار كلهم تقوم عليهم الحجَّة بالقرآن مع قول الله { وجعلنا على قلوبه أكنة أن يفقهوه } “
●الأمر الآخر الذي يتعلق بهذه المسألة كون المسألة التي وقع فيها الجهل من مسائل الدين الظاهرة كالتوحيد وغيره التي تعرف لكل من قرأ القرآن أم من المسائل الخفية التي لا تعرف إلا بعد السؤال .
ويمكن تقسيم المسائل التي يقع فيها الجهل على النحو التالي :
القسم الأول : مسائل ظاهرة ودليلها ظاهر .
القسم الثاني : مسائل ظاهرة ودليلها خفي .
القسم الثالث : مسائل خفية ودليلها خفي .
القسم الرابع : المعلوم من الدين بالضرورة .
فأما القسم الأول والرابع وهو الذي يهمنا هنا ، ومنه أكثر الأحكام المتعلقة بالتوحيد والشرك فإنه لا يعذر فيه أحد مادام أنه تمكن من قراءة القرآن والأحاديث المتعلقة بتلك المسألة بلسان عربي مبين ولم يكن عنده معارض يعذر به كما سيأتي (وانظر مجموع الفتاوى 3/231 )
وأما ما ذكره العلماء من اشتراط بلوغ الحجَّة للمكلف نفسه ، فهذا يحمل على المسائل التي دليلها خفي وهي فروع الشريعة ( انظر مجموع الفتاوى 22/ 11) .
يقول ابن القيم (تهذيب المدارج ص139) ” حجة الله قامت على العبد بإرسال الرسل وإنزال الكتب وبلوغ ذلك إليه وتمكنه من العلم به سواء علم أم جهل فكل من تمكن من معرفة ما أمر الله به ونهى عنه ، فقصر عنه ولم يعرفه فقد قامت عليه الحجة فالله سبحانه لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجَّة “
وهذا النوع من مسائل العلم المذكور في القسمين السابقين قد قامت على أكثر المكلفين الحجَّة الرسالية فيه ، ولا عذر للمكلف في جهله لكونه لم يقرأ القرآن أو الأحاديث المتعلقة بما جهله كما بيَّنا سابقاً ،ولا يقال هنا إنه ما وجد من يحثه على البحث عن الحق لأننا نقول إن دافع الفطرة عنده الذي هو أثر الميثاق الذي أخذه الله على بني آدم بأن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً كفيل بأن يدفعه إلى معرفة الحق ولكن اتباع الهوى وحظوظ الدنيا ربما تغلب على دافع الفطرة .
قال ابن القيم في طريق الهجرتين (ص412) :
” نعم لابد في هذا المقام من تفصيل يزول به الإشكال وهو الفرق بين مقلد تمكن من العلم ومعرفة الحق فأعرض عنه ومقلد لم يتمكن من ذلك بوجه . والقسمان واقعان في الوجود فالمتمكن المعرض مفرط تارك للواجب عليه لا عذر له عند الله وأما العاجز عن السؤال والعلم الذي لا يتمكن من العلم بوجه فهم قسمان أيضاً:
أحدهما : مريد للهدى مؤثر له محب له غير قادر عليه ولا على طلبه لعدم من يرشده فهذا حكمه حكم أرباب الفترات ومن لم تبلغه الدعوة .
الثاني : معرض لا إرادة له ولا يحدث نفسه بغير ما هو عليه . فالأول يقول يارب لو أعلم لك ديناً خيراً مما أنا عليه لدنت به وتركت ما أنا عليه ، ولكن لا أعرف سوى ما أنا عليه ولا أقدر على غيره فهو غاية جهدي ونهاية معرفتي .
والثاني راض بما هو عليه لا يؤثر غيره عليه ولا تطلب نفسه سواه ، ولا فرق عنده بين حال عجزه وقدرته وكلاهما عاجز وهذا لا يجب أن يلحق بالأول لما بينهما من الفرق ، فالأول كمن طلب الدين في الفترة ولم يظفر به فعدل عنه بعد استفراغ الوسع في طلبه عجزاً وجهلاً والثاني كمن لم يطلبه بل مات على شركه وإن كان لو طلبه لعجز عنه ففرق بين عجز الطالب وعجز المعرض.”
وأما فهم الحجَّة كفهم أبي بكر وعمر فانه ليس شرطاً في قيام الحجة مادام لا يوجد مانع من جهة اللغة يمنعه من الفهم وما دام أنها واضحة لمن هو مثله .
ولبيان ذلك أقول إن الفهم نوعان :
نوع يحدث به استيعاب الألفاظ والمعاني وهذا شرط في إقامة الحجة ، ونوع يحدث به اليقين ورد الشبه التي علقت بالقلب فهذا غير معتبر لأن الله أخبر عن المشركين أنهم لم يبلغوا هذا الفهم كما قال تعالى {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} (25) سورة الأنعام.
● وبمعرفة هذا القيد وهو التمكن من العلم يظهر لنا سبب حكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أبويه بالنار ، ومن ذلك مارواه مسلم [99]:
عَنْ أَنَسٍ : ” أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ أَبِي قَالَ فِي النَّارِ فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ فَقَالَ إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ ” .
مع أنّهم ممن قال الله فيهم {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ} (6) سورة يــس.
فهؤلاء القوم الذين أرسل إليهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم كان منهم موحدون يدل على ذلك قصة زيد بن عمرو بن نُفيل ، فدعوة التوحيد كانت موجودة قبل بعثة محمد صلى الله عليه وآله وسلم لقوله تعالى {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (28) سورة الزخرف.
وبهذا يظهر لك خطأ من عذر بالجهل مطلقاً أو لم يعذر به مطلقاً أو من فرق بين أصل التوحيد وفرعه دون أن يلتفت إلى الضابط المذكور سابقاً والله أعلم .
● والذي ينبغي التنبيه عليه أن الكافر إمّا أن يكون كافراً معانداً كالمغضوب عليهم، الذين عرفوا الحق ولم يتبعوه ، أو يكون كافراً جاهلاً معرضاً أو مضلّلاً كالضالِّين الذي لبّس عليهم علماء السوء ، فليس كل كافر يكون كفره عن علم وجحود للحق بل أكثر الكفار جُهّال ضلاّل، وإنما أوردهم النار كفرهم بتقليد ساداتهم وكبرائهم ويحسبون أنّهم يُحسنون صنعاً، كما قال تعالى {ربّنا إنّنا أطعنا ساداتنا وكبراءنا فأضلّونا السبيلا ربّنا ءاتهم ضِعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيراً } فتأمل قولهم {فأضلّونا السبيلا} فهل عذرهم الله بذلك ، الجواب : لا بل كثير من الكفار كما قال الله عنهم {يحسبون أنّهم يُحسنون صنعاً} {ويحسبون أنّهم مهتدون} و{يحسبون أنّهم على شيء} . وهذا يؤيد قول بعض العلماء أنه لا يشترط في التكفير أن يكون الواقع فيه عالماً بما يترتب على مخالفته من كفر أو نحوه . ( انظر شرح كشف الشبهات لشيخنا ابن عثيمين – رحمه الله – ، الدرر 8/105)
تنبيه :
ذهب بعضهم إلى أن الجاهل يعذر في فروع الشريعة دون الأصول هكذا على الإطلاق واحتج بأخذ الميثاق على بني آدم قبل خلقهم فلا يعذر عنده أحد في مسائل التوحيد والشرك لقوله تعالى {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ * وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }.
وهذه الآية قد أضطرب الناس في تفسيرها وفي بيان المقصود بالميثاق وهل هو حجَّة أم لا ، وإذا كان حجَّة هل يترتب على ذلك عذاب لمن خالف ولم يُرسل إليه رسول أو لم تبلغه دعوة رسول .
والصحيح من أقوال أهل العلم كما جاء في التمهيد لابن عبد البر ، قال إسحاق: أجمع أهل العلم أنها الأرواح قبل الأجساد، استنطقهم وأشهدهم على أنفسهم: {ألست بربكم؟ قالوا: بلى}. فقال: انظروا ألاَّ: {تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم} [100].
ويؤيد هذا ما أخرجه أحمد في مسنده والنسائي في كتاب التفسير من سننه، وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم في مستدركه ، وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه [101]، عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان يعني عرفة فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرهم بين يديه كالذر ثم كلمهم قبلاً قال؟ ألست بربكم قالوا بلى شهدنا» .
وقد روى هذا الحديث موقوفاً على ابن عباس. والصحيح رفعه وقد مال ابن كثير وابن أبي العز إلى القول بالوقف وقد تكلفوا في حمل معنى الميثاق في الآية على الفطرة وأنه يؤخذ من ظهور آبائهم جيلاً بعد جيل وليس وهم في ظهر آدم ، ولذلك قيل أن قوله تعالى {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم} بدل اشتمال مما قبله بإعادة الجار .
والصحيح كما قال المباركفوري في التحفة ” أنه بدل بعض {ذريتهم} بأن أخرج بعضهم من صلب بعض من صلب آدم، نسلاً بعد نسل كنحو ما يتوالدون كالذر بنعمان يوم عرفة، ونصب لهم دلائل على ربوبيته وركب فيهم عقلاً وأشهدهم على أنفسهم) قال (ألست بربكم قالوا بلى) أنت ربنا (شهدنا) بذلك (أن تقولوا) أي لئلا تقولوا (يوم القيامة إنا كنا عن هذا) أي التوحيد (غافلين) ” .
والمقصود إقرارهم بتوحيد الربوبية ، وإلى المعنى الأول ذهب المعتزلة قال الرازي: أطبقت المعتزلة على أنه لا يجوز تفسير هذه الآية بهذا الحديث لأن قوله من ظهورهم بدل من بني آدم. قالوا فالمعنى وإذ أخذ ربك من ظهور بني آدم فلم يذكر أنه أخذ من ظهر آدم شيئاً، ولو كان المراد الأخذ من ظهر آدم لقيل من ظهره .
● والجواب أن معنى الآية أن الله أخذ بعض الذرية وهم كالذر من ظهر بعض ، والكل من ظهر آدم كنحو توالدهم في الدنيا لكن دفعة واحدة ، وبهذا تتفق الآية والحديث الذي جاء في الصحيحين عَنْ أَنَسٍ يَرْفَعُهُ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لِأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ كُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَقَدْ سَأَلْتُكَ مَا هُوَ أَهْوَن مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ أَنْ لَا تُشْرِكَ بِي فَأَبَيْتَ إِلَّا الشِّرْك *
فالميثاق ثابت وهو من الحجج التي يحتج بها الله على بني آدم لكن هذه الحجَّة لا يترتب عليها عذاب وعقاب لمن خالف ،لأن الله يقول ” وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ” وبهذه الآية قد استدل ابن عباس وأبيّ على ذلك بعد أن ذكرا الميثاق . وليس المقصود بالعذاب في الآية عذاب الدنيا فقط كما يظن بعضهم وإلا لكان معنى ذلك ، أن مخالفة الرسول الذي أرسل بالبينات والحجج التي لا عذر لأحد في مخالفتها والإعراض عنها يكون عذابها وعقابها دنيوياً وأما مخالفة الميثاق الذي لا يتذكره أحد كما قال تعالى { هو الذي أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً } يكون عقابه أخروياً في نار جهنم ، هذا لا يقول به أحد يحتج بقوله ، لكن من رحمة الله أنه لم يجعل العقاب الدنيوي وهو الاستئصال في الدنيا إلا بعد إقامة الحجة ببعث رسول كما قال تعالى {وما كان ربُّك مهلِكُ القرى حتى يبعث في أُمِّها رسولاً يتلو عليهم ءاياتِنا} والله أعلم .