الحكم بغير ما أنزل الله – مسألة العصر

هذه أم المسائل التي يبني عليها الخوارج قديماً وحديثاً ، فسلفهم قال ” لا حكم إلا لله ” أرادوا أن يبطلوا حكم العبد ولو لم يخالف حكم الله فرد عليهم علي رضي الله عنه بقوله ” كلمة حق أريد بها باطل ” ، قال شيخ الإسلام في وصف الخوارج الأولين (مجموع الفتاوى 13/208) ” قالوا إن عثمان وعلياً ومن والاهما قد حكموا بغير ما أنزل الله ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون فكفروا المسلمين بهذا وبغيره ” ، وفي هذا العصر قالوا بكفر من حكم بغير ما أنزل الله على الإطلاق فلما تنبهوا أن مذهبهم هذا يلتقي مع مذهب الخوارج الأولين ، حصروا الحكم في القضاء .
والصحيح أن من عصى الله فقد حكم بغير ما أنزل الله فيلزم من كفر الحاكم بغير ما أنزل الله في القضاء بدون قيد أو شرط أن يكفر مرتكب الكبيرة بدون استحلال وهذا مذهب غلاة الخوارج ، وقد سبق الرد عليهم في ( ألوية النصر ) .
فالمعصية حكم بغير ما أنزل الله ، كما أن البدعة حكم بغير ما أنزل الله ، كما قال الامام الشاطبي رحمه الله تعالى في الاعتصام والإمام ابن حزم رحمه الله في الفِصل فمن كفَّر بالحكم بغير ما أنزل الله مطلقاً لزمه التكفير بالبدعة ومعاصي الشهوات التي هي دون الكفر بالاتفاق وخوارج العصر على صنفين : صنف التزم بهذا وكفّر بجميع الذنوب وقد سبق الرد عليهم ، وصنف راوغ وأوّل ، ومهما يكن فهذا لازم مذهبه شاء أم أبى ، ولولا أن لازم المذهب ليس بلازم (اعتقاداً) لألحقناه بالصنف الأول ، وعلى كل حال فإن كلامي في هذه المسألة والذي أعتقده منذ زمن واستفدته من إمام العصر وشيخ العقيدة شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله قد عرضته على شيخنا مقبل الوادعي رحمه الله فوافقني عليه وعليه خطه ولم أكن أرغب في نشره إلا بعد أن رأيت بعض إخواننا من طلبة العلم السلفيين قد افترقوا إلى قسمين قسم تأولوا كلام المشايخ المذكور قولهم في القسم الثالث مما يلي ، وأرادوا أن يوفقوا بينه وبين قول الشيخ الألباني والشيخ ابن باز فانتُقدوا من العلماء بل واتُهموا ، وقسم وقعوا في هؤلاء المشايخ وظنوا أنهم على مذهب الخوارج بل بلغ بهم الخيال – والحمد لله على العافية – أن هؤلاء العلماء أرادوا بفتواهم الأخيرة الطعن في الدعوة التي يتبناها بعض رموزهم .
والذي ينبغي أن أشير إليه أنني لم أدعي وجود ” إجماع لأهل السنة على عدم كفر من حكم بغير ما أنزل الله في التشريع العام إلا بالاستحلال القلبي كسائر المعاصي التي دون الكفر ” كما قرر غيري وقد انتقدت اللجنة الدائمة هذا الأمر عليه ، وإن كان في حقيقة الأمر أنه توصل إلى هذه النتيجة باللازم .
ولم أتهم علماء اللجنة الدائمة بأنهم على قول الخوارج – والعياذ بالله – كما فعل غيري .
بل الجديد في الموضوع إن صح أن أسميه جديداً :
أنني قسمت الخلاف في هذه المسألة إلى أربعة أقسام ، فالقسمان الأولان جعلتهما من أقوال الخوارج وإن أحمرت أنوف .
والقسمان الأخيران جعلتهما من أقوال أهل السنة وإن غالط مغالط ، فهما في اعتقادي بعد تحرير الفرق بينهما بين راجح نعتقده و نفتي به وقد قال به أئمة العصر ومرجوح نعتذر لصاحبه ولا ننسبه إلى الضلال وقد قال به أئمة مشهود لهم في هذا العصر ، وهنالك حاله لم أذكرها لوضوح أمرها وهي الحكم بالكفر على من نحى الشريعة الإسلامية بالكامل حتى أنه لم يذكرها في مصادر التشريع فهذا في حقيقة الأمر نحى الإسلام والعياذ بالله .
ومن توفيق الله أن هذا التقسيم الرباعي أُعلن تفصيله من على منبر الحرم المكي بعد نشري لرسالتي والحمد لله .
وملخص هذا التقسيم الرباعي للخلاف في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله كما يلي :
القسم الأول : ذكر من خالف الإجماع في تفسير قوله تعالى ” ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون “.
القسم الثاني : من خالف في اعتبار التشريع العام كفر أكبر بذاته بدون قيد الاستحلال .
القسم الثالث : فيمن اعتبر التشريع العام دليل على الاستحلال القلبي .
القسم الرابع : من قيد التكفير في هذه المسألة بالاعتقاد أو الاستحلال كباقي الكبائر .
وسيأتي تفصيل هذه الأقسام الأربعة .
كما أنني بينت حقيقة الإجماع المنقول عن ابن كثير وشيخه شيخ الإسلام في الياسق و لم أرد هذا الإجماع بدعوى ” إن التتار عندهم مكفرات غير الحكم بالياسق ” كما فعل غيري ، وقد أنكر عليه بعض العلماء .
كما أنني رددت على شبهتين لخوارج العصر ممن حشرتهم في القسم الثاني ، الأولى تتعلق بمدى منافاة الحكم بغير ما أنزل الله للتوحيد بأقسامه الثلاثة أوحى بها إليهم صاحب كتاب الجامع في طلب العلم والثانية تتعلق بالإجماع الذي نقله العلماء الأثبات في مسألة التشريع العام .
وأفصّل كلامي في النقاط التالية :
أولاً) قوله تعالى ” ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ” ، المقصود بالكفر هنا الكفر الأصغر كما ذهب إلى ذلك ابن عباس وطاوس ومجاهد وأحمد وجمع من السلف وليس لهم مخالف عند التحقيق ، كما سيأتي .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (3/268) في تفسير قوله تعالى ” ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ” (المائدة 44): ” أي هو المستحل للحكم بغير ما أنزل الله ” أ.هـ
وفي مجموع الفتاوى (7/329) ذكر شيخ الإسلام : عن الشالنجى إسماعيل بن سعيد أنه سأل أحمد بن حنبل عن قوله تعالى ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) قال : فقلت له ما هذا الكفر فقال ” كفر لا ينقل عن الملَّة مثل الإيمان بعضه دون بعض وكذلك الكفر حتى يجئ من ذلك أمر لا يختلف فيه “.
قال ابن عبد البر كما في التمهيد (5/74) في صدد الكلام على الكبائر” وأجمع العلماء على أن الجور في الحكم من الكبائر لمن تعمد ذلك عالماً به رويت في ذلك آثار شديدة عن السلف وقال الله عز وجل ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) و ( الظالمون ) و ( الفاسقون ) نزلت في أهل الكتاب ، قال حذيفة و ابن عباس : وهي عامة فينا ، قالوا ليس بكفر ينقل عن الملة إذا فعل ذلك رجل من أهل هذه الأمة حتى يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ” .
فهذا إجماع أهل العلم على أن الحكم بغير ما أنزل الله من الكبائر ، والمتأمل في كلام السلف في هذه المسألة لا يجد ما يخالف هذا الاجماع بل قد صرح جمع من المفسرين ، بأنه لم يخالف في ذلك إلا الخوارج .
وابن القيم رحمه الله بعد أن عرض أقوال الناس في هذه المسألة قال ” والصحيح أن الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الأصغر والأكبر بحسب حال الحاكم ” .
قلت : وهذا مذهب أهل السنة والجماعة في هذه المسألة بل في جميع الكبائر ، واشتراط الاستحلال في الكفر الأصغر يمضي على جادة طريقة أهل السنة والجماعة ، فتنبه .
وبهذا تعلم أن ما أثر في هذه المسألة من أقوال للسلف فإن مرده إلى قول واحد وإنما الاختلاف حسب حال الحاكم .
قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين ( 1 / 336):
” ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ” المائده 44
1- قال ابن عباس ليس بكفر ينقل عن الملة بل إذا فعله فهو به كفر وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر وكذلك قال طاووس وقال عطاء هو كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق .
2- ومنهم من تأول الآية على ترك الحكم بما أنزل الله جاحداً له وهو قول عكرمة وهو تأويل مرجوح فإن نفس جحوده كفر سواء حكم أو لم يحكم .
3- ومنهم من تأولها على ترك الحكم بجميع ما أنزل الله قال ويدخل في ذلك الحكم بالتوحيد والإسلام وهذا تأويل عبد العزيز الكناني وهو أيضاً بعيد إذ الوعيد على نفي الحكم بالمنزل وهو يتناول تعطيل الحكم بجميعه وببعضه .
4- ومنهم من تأولها على الحكم بمخالفة النص تعمداً من غير جهل به ولا خطأ في التأويل حكاه البغوي عن العلماء عموماً .
5- ومنهم من تأولها على أهل الكتاب وهو قول قتادة والضحاك وغيرهما وهو بعيد وهو خلاف ظاهر اللفظ فلا يصار إليه .
6- ومنهم من جعله كفراً ينقل عن الملة .
والصحيح أن الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين الأصغر والأكبر بحسب حال الحاكم…” ا.هـ
فالأقوال السابقة كما ترى لا تنافي القول بأن الحكم بغير ما أنزل الله كفر أصغر وقد يكون كفراً أكبر بحسب حال الحاكم مثله مثل باقي الكبائر ، ومثله قول شيخ الإسلام (مجموع الفتاوى 3/267) ” والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه أو حرم الحلال المجمع عليه أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء وفي مثل هذا نزل قوله – على أحد القولين – (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) أي هو المستحل للحكم بغير ما أنزل الله “
فهذا المذكور في كلامه أحدهما والآخر أنه كفر دون كفر وهو المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما .
وأما جعل الحكم بغير ما أنزل الله من الكفر الأكبر مطلقاً فهو قول الخوارج يدل على ذلك سبب نزول الآية فقد جاء عند مسلم مايبين حال من نزلت فيهم ، الذين قالوا ” ائتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا فأنزل الله تعالى ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) ” :
عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَهُودِيٍّ مُحَمَّمًا مَجْلُودًا فَدَعَاهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ قَالُوا نَعَمْ فَدَعَا رَجُلًا مِنْ عُلَمَائِهِمْ فَقَالَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ قَالَ لَا وَلَوْلَا أَنَّكَ نَشَدْتَنِي بِهَذَا لَمْ أُخْبِرْكَ نَجِدُهُ الرَّجْمَ وَلَكِنَّهُ كَثُرَ فِي أَشْرَافِنَا فَكُنَّا إِذَا أَخَذْنَا الشَّرِيفَ تَرَكْنَاهُ وَإِذَا أَخَذْنَا الضَّعِيفَ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ قُلْنَا تَعَالَوْا فَلْنَجْتَمِعْ عَلَى شَيْءٍ نُقِيمُهُ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ فَجَعَلْنَا التَّحْمِيمَ وَالْجَلْدَ مَكَانَ الرَّجْمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَكَ إِذْ أَمَاتُوهُ فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِلَى قَوْلِهِ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ يَقُولُ ائْتُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ أَمَرَكُمْ بِالتَّحْمِيمِ وَالْجَلْدِ فَخُذُوهُ وَإِنْ أَفْتَاكُمْ بِالرَّجْمِ فَاحْذَرُوا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ فِي الْكُفَّارِ كُلُّهَا .
فتأمل قولهم ” نَعَمْ ” وقول الحبر ” وَلَوْلَا أَنَّكَ نَشَدْتَنِي بِهَذَا لَمْ أُخْبِرْكَ ” فقد جعلوه عند أتباعهم ديناً كباقي الشرائع المنصوص عليها في كتابهم ، وبهذا النص وغيره تفهم معنى التبديل الذي أراده العلماء ويظهر لك ضابط الحكم بالخروج من الملة لمن حكم بغير ما أنزل الله .
قال الإمام إسماعيل بن اسحاق القاضي ” فمن فعل مثل ما فعلوا ( أي اليهود ) واقترح حكماً يخالف به حكم الله وجعله ديناً يعمل به فقد لزمه مثل ما لزمهم من الوعيد المذكور حاكماً كان أو غيره ” .
وأما ما جاء في سنن النسائي عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ : ” الْقَاضِي إِذَا أَكَلَ الْهَدِيَّةَ فَقَدْ أَكَلَ السُّحْتَ وَإِذَا قَبِلَ الرِّشْوَةَ بَلَغَتْ بِهِ الْكُفْرَ”.
وفي سنن الدارمي عَنْ طَاوُسٍ وَسَعِيدٍ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يُنْكِرُونَ إِتْيَانَ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ وَيَقُولُونَ هُوَ الْكُفْرُ *
فالمقصود بالكفر هنا أي الأصغر أو أنها تؤدي إلى الكفر الأكبر ، وعلى هذا يحمل الأثر السابق عن مسروق ، وما جاء في معناه كالذي أخرجه ابن جرير عن ابن مسعود أنه سئل عن الرشوة ” قال هي سحت فقيل له الرشوة في الحكم قال ذاك الكفر ” .
وكثيراً ما رأينا خوارج العصر يدندنون حول هذا الأثر لورود لفظ الكفر فيه ومع أنهم يقرون بأن لفظ الكفر قد يأتي في كلام الشارع بمعنى الكفر الأصغر إلا أنهم هنا يأبون ، وهذا شيخ الإسلام عندما ذكر أثر ابن مسعود فهم منه أنه قصد الأصغر ، قال شيخ الإسلام ( مجموع الفتاوى 31/286) ” وسئل ابن مسعود عن السحت فقال هو أن تشفع لأخيك شفاعة فيهدي لك هدية فتقبلها فقال له أرأيت إن كانت هدية فى باطل فقال ذلك كفر (ومن لم يحكم بما أنزل الله فألئك هم الكافرون) ولهذا قال العلماء إن من أهدى هدية لولى أمر ليفعل معه ما لا يجوز كان حراماً على المهدى والمهدى إليه وهذه من الرشوة التى قال فيها النبى لعن الله الراشى والمرتشى والرشوة “
وبهذا يظهر خطأ من عدَّ هذا قولاً آخر للسلف في تفسير الكفر المذكور في الآية ، وإنما هو من باب التغليظ ، و إلا نكون قد نسبنا إلى هذا الصحابي الجليل القول بكفر من حكم بغير ما أنزل الله في الواقعة المعينة ، ونكون قد خالفنا الإجماع الذي ذكره ابن عبد البر ، وليس في هذا الأثر اشكال إذا عرفنا مذهب أهل السنة في نصوص الوعيد وأن الخوارج خالفوهم فعظموا الوعيد وبنوا على الاطلاقات كما سبق تفصيل ذلك ( انظر ألوية النصر ).
ثانياً) تخريج أثر ابن عباس في تفسير آية الحكم .
فقد جاء من طريق سفيان عن هشام بن حجير عن طاوس عن ابن عباس قال ” إنه ليس الكفر الذي يذهبون إليه ( أي الخوارج ) إنه ليس كفراً ينقل عن الملة ، كفر دون كفر “
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين كما قال شيخنا الألباني (انظر السلسلة الصحيحة 6/113)
وهشام بن حجير وإن كان قد ضُعف إلا أنه من رجال الصحيحين وقد وثقه ابن حبان والعجلي وابن سعد والذهبي وكفى بتوثيق ابن حبان فإنه إمام في هذا الشأن وقد يظن بعضهم أن ابن حبان لا يعتمد على توثيقة لأنه رمي بالتساهل والصحيح أن ابن حبان أخذ عليه تساهله في توثيق المجاهيل فتنبه ، وفي المسألة تفصيل ليس هذا محله وإلا فهو من الأئمة المتقدمين المعتمد كلامهم في هذا الشأن .
وقد روى الطبري بإسناد صحيح عن سفيان عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس ” هي به كفر – وليس كفراً بالله وملائكته وكتبه ورسله ” وقد جاءت الزيادة الأخيرة من كلام طاوس رواها عبد الرزاق عن معمر به .
ولا يعد هذا اختلافاً فقد رواها معمر مرة من كلام ابن عباس ومرة من كلام طاوس وطاوس تلميذ ابن عباس ولو لم تثبت إلا عن طاوس لكفى ، ويؤيد هذا أنها جاءت أيضاً من طريق عبد الرزاق إلى ابن عباس قال شيخ الإسلام (7/327) ” حدثنا محمد بن يحيى حدثنا عبدالرزاق عن سفيان عن رجل عن طاووس عن ابن عباس قال كفر لا ينقل عن الملة “
ولو أعللنا رواية سفيان برواية عبد الرزاق لم يبق لنا حديث سالم من العلة إلا القليل فلا تلتفت إلى كلام بعض المتعالمين من الطاعنين في السنة باسم منهج المتقدمين ومنهج المتقدمين منهم براء ، ( راجع كتاب النصيحة لشيخنا الإمام الألباني رحمه الله ) .
ثالثاً) الاختلاف في هذه المسألة يمكن تقسيمه إلى أربعة أقسام كما سيأتي ، لكن أحب أن أذكِّر قبل ذلك ، أن الحاكم بغير ما أنزل الله قد يقع في بعض المكفرات التي تخرجه من الملة غير الحكم بغير ما أنزل الله فينبغي أن يتنبه لذلك لأن بعض الكتاب يتخذ ذلك ذريعة لتحريك العواطف في إثبات أن الحكم بغير ما أنزل الله كفر أكبر على الإطلاق ، فيقول هؤلاء الحكام يحاربون الدين ، و يزينون الكفر والشرك للناس ويبنون على الأضرحة و يشجعون زيارة الأولياء والطواف بقبورهم وطلب الحوائج منهم وغير ذلك من الكفر الأكبر الذي لا خلاف فيه . فهذا شيء ومسألة الحكم بغير ما أنزل الله شيء آخر فتنبه ، وليس بخاف أن هذا دأب أهل الأهواء ، كما يقال ” الصيد في الماء العكر .” ، والعجيب أن بعض الذين كتبوا في هذه المسألة من أهل الأهواء يستشهدون بأقوال من كتب في هذه المسألة ووافق رأيه رأيهم فيعدون هذا اتفاقاً أو إجماعاً وهذه طريقة جديدة في دعم الحجة اخترعها أهل هذا العصر وإن شئت فقل خوارج العصر ، وإلا كما هو معروف فإنه يمكن أن يقتنع بفكرة ما ، عدد من الكتاب فهل يقال إنه كلما زاد عدد الكتاب في تقرير مسألة ما ، كان ذلك علامة على إصابة الحق ، هذا لا يقول به عالم وإنما الذي يستأنس به هو أقوال المجتهدين المشهود لهم بالعلم والسير على منهج السلف الصالح ، كما أن الغرض من ذكر هذه المسألة الرد على الخوارج الطاعنين في علماء أهل السنة ورميهم لهم بالإرجاء لكونهم لم يوافقوهم في تكفير الحكام على الإطلاق ، وليس المقصود بحال من الأحوال الدفاع عن الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله ، هذا المنكر العظيم الذي بلي به كثير من الحكام في هذا الزمان ، فإن الظن بكثير منهم أنهم يقاتلون في سبيل ياسقهم كما أشار إلى ذلك شيخنا الإمام ابن باز كما سبق في المناظرة (انظر ألوية النصر ) ، فنسأل الله أن يردهم إلى الحق رداً جميلاً وأن يبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعته ويذل فيه أهل معصيته ويؤمر فيه بالمعروف وينهى عن المنكر ، كما لا يفوتني أن أنبه أن بعض من كتب عن هذه المسألة بنى أحكامه على صور الحكم بغير ما أنزل الله وبعضهم بناها على صور من تحاكم إلى الطاغوت ، وإنما أردنا هنا بيان صور الخلاف في هذه المسألة بين أهل العصر ، وإليك أقسام الخلاف في هذه المسألة .
فالقسم الأول) هل قوله تعالى ” ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ” يراد به الكفر الأصغر أم الأكبر .
والصحيح وهو الذي عليه اتفاق السلف ، أن المراد بالكفر هنا الأصغر ، ولم يخالف في ذلك إلا الخوارج ، وقد أشار إلى ذلك جماعة من العلماء منهم الإمام الآجري في الشريعة والإمام ابن عبد البر في التمهيد والجصاص في أحكام القرآن والقاضي أبو يعلى في مسائل الإيمان وأبو حيان في تفسيره البحر المحيط والقرطبي في كتابه الجامع ، ونقل ابن عبد البر الإجماع على ذلك وقد سبق تفصيل ذلك .
القسم الثاني ) هل هناك فرق من جهة الحكم بين القضية المعينة والتشريع العام ، ولاحظ أنني قلت فرق من جهة الحكم وإلا فإنه لا شك أن هنالك فرقاً ، لكن ليس كل فرق معتبر .
فقد ذهبت طائفة إلى أن القول السابق الذي قال به أهل السنة ومنهم ابن عباس إنما يقال في الواقعة المعينة وأما التشريع العام فهو كفر أكبر بذاته وهذا قول مخترع ، وافق فيه أصحابه الخوارج ، وسيأتي بيان أن حجَّة أصحاب هذا القول بعض النصوص والقواعد العامة والرد عليهم وعلى شبههم يحتاج إلى مؤلف وسيأتي ملخص الرد ، وقد تولى كبر هذا القول صاحب كتاب ضوابط التكفير وكتاب الحكم بغير ما أنزل الله .
القسم الثالث) وهو من أقوال أهل السنَّة المعاصرين حيث قالوا ، إن تحكيم القوانين وجعلها نظاماً عاماً قرينة على الاستحلال القلبي ولو قال حكم الشرع أحسن ، وهم لا يجعلون هذا قاعدة مطردة كما في بعض المكفرات الأخرى بل إن حقيقة قولهم أن هذه قاعدة أغلبية ، أن مجرد تحكيم القوانين وجعلها نظاماً عاماً يعد قرينة على الاستحلال القلبي ولذلك تجدهم عند التعيين يتوقفون في إطلاق الكفر مع علمهم بتوفر الشروط وامتناع الموانع ، ومن ذلك قول بعض العلماء ” من نحَّى الشريعة الإسلامية وجعل القانون الوضعي بديلاً عنها فهذا دليل على أنه يرى أن القانون أحسن من الشريعة ” ، ومثله ” وفي ظني أنه لا يمكن لأحدٍ أن يطبق قانوناً مخالفاً للشرع يحكم فيه في عباد الله إلا وهو يستحله ويعتقد أنه خير من القانون الشرعي ” .
القسم الرابع ) الذين لا يفرقون بين القضية المعينة ووضع قانون أو مجموعة من القوانين المخالفة لما أنزل الله من جهة الحكم وإلا فالفرق حاصل ، لكن ليس كل فرق معتبراً ، فيشترطون في كل ذلك الجحود أو الاستحلال وفي مقدمتهم شيخنا ناصر الدين الألباني وشيخنا عبد العزيز بن باز ، وهو قول أئمة الدعوة وهذا هو الحق الذي لا مرية فيه ، والله أعلم .
وأما مايتعلق بدلالة بعض الأفعال على الاستحلال الاعتقادي فهي فيما أرى مسألة اجتهادية ، وقد قال بها بعض مشايخنا ، ولا ينكرها على الإطلاق إلا من تأثر بلوثة الإرجاء ، قال شيخ الإسلام (35/388) ” فإن الحاكم إذا كان ديِّناً لكنه حكم بغير علم كان من أهل النار وإن كان عالما لكنه حكم بخلاف الحق الذي يعلمه كان من أهل النار وإذا حكم بلا عدل ولا علم كان أولى أن يكون من أهل النار وهذا إذا حكم فى قضية معينة لشخص وأما إذا حكم حكما عاما فى دين المسلمين فجعل الحق باطلا والباطل حقا والسنة بدعة والبدعة سنة والمعروف منكرا والمنكر معروفا ونهى عما أمر الله به ورسوله وأمر بما نهى الله عنه ورسوله فهذا لون آخر يحكم فيه رب العالمين وإله المرسلين مالك يوم الدين” ، مع أن شيخ الإسلام يقيد الحكم بسوالف البادية بالاستحلال ، قال رحمه الله في منهاج السنة (5/130) ” ولا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو كافر فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلا من غير اتباع لما أنزل الله فهو كافر فإنه ما من أمة إلا وهي تأمر بالحكم بالعدل وقد يكون العدل في دينها ما رآه أكابرهم بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم التي لم ينزلها الله سبحانه وتعالى كسوالف البادية وكأوامر المطاعين فيهم ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنة وهذا هو الكفر فإن كثيرا من الناس أسلموا ولكن مع هذا لا يحكمون إلا بالعادات الجارية لهم التي يأمر بها المطاعون فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز الحكم إلا بما أنزل الله فلم يلتزموا ذلك بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله فهم كفار وإلا كانوا جهالا ” .
لكن الذي ننكره جعل ذلك قاعدة مطردة حتى قال بعضهم ” كلمة (الاستحلال) لا تدل على اعتقاد حل محرم ، إلا بحسب الاصطلاح أما فى اللغة بل وفى كلام الشرع فإن المستحل هو المستمريء للحرام الذى لا يعبؤ بالتحريم ولا يبالى به ” ، ثم رتب على ذلك أن كفَّر بالاستحلال العملي كالاعتقادي .
وبعضهم قوَّل شيخ الإسلام أنه يكفر بمجرد الاستحلال العملي حيث قال ” ليعلم أن شيخ الإسلام – رحمه الله – يطلق الاستحلال ويعني به: تارة اعتقاد حل المحرم وتارة يعني به عدم التزام التحريم ، وإن كان يعتقد التحريم حيث قال – رحمه الله – في “الصارم المسلول” ص522 :
( وبيان هذا أن من فعل المحارم مستحلاً لها فهو كافر بالاتفاق ، فإنه ما آمن بالقرآن من استحل محارمه ، وكذلك لو استحلها من غير فعل ، والاستحلال اعتقاد [108] أن الله لم يحرمها ، وتارة بعدم اعتقاد أن الله حرمها ، وهذا يكون لخلل في الإيمان بالربوبية ولخلل في الإيمان بالرسالة ، ويكون جحداً محضاً غير مبني على مقدمة ، وتارة يعلم أن الله حرمها ، ويعلم أن الرسول إنما حرم ما حرمه الله ، ثم يمتنع عن التزام هذا التحريم ، ويعاند المُحَرِّم ، فهذا أشد كفراً ممن قبله ، وقد يكون هذا مع علمه أن من لم يلتزم هذا التحريم عاقبه الله وعذَّبه. ثم إن هذا الامتناع والإباء إما لخلل في اعتقاد حكمة الآمر وقدرته فيعود هذا إلى عدم التصديق بصفة من صفاته ، وقد يكون مع العلم بجميع ما يصدق به تمرداً أو اتباعاً لغرض النفس ، وحقيقته كفر ؛ هذا لانه يعترف لله ورسوله بكل ما اخبر به ويصدق بكل ما يصدق به المؤمنون لكنه يكره ذلك ويبغضه ويسخطه لعدم موافقته لمراده ومشتهاه ويقول انا لا أقر بذلك ولا التزمه وابغض هذا الحق وأنفر عنه ، فهذا (أي الامتناع عن التزام التحريم ) نوع غير النوع الأول ( أي : اعتقاد حل المحرم ) وتكفير هذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام والقرآن مملوء من تكفير مثل هذا النوع ؛ بل عقوبته أشد ” انتهى كلامه رحمه الله ، فقوله – رحمه الله – (لايزال الكلام للكاتب ) ” وتارة يعلم أن الله حرمها ، ويعلم أن الرسول إنما حرم ما حرم الله ، ثم يمتنع عن التزام هذا التحريم ، ويعاند المحرم ، فهذا أشد كفراً ممن قبله .. الخ كلامه – رحمه الله – يدل دلالة قاطعة على أن هذا – اعني الامتناع عن التزام التحريم – من معاني الاستحلال عند شيخ الإسلام ، فجَعْلُ الاستحلال في كلام شيخ الإسلام منصرفاً بإطلاق إلى اعتقاد حل الحرام تحكم بلا دليل ويعرف مقصود شيخ الإسلام بالاستحلال من سياق الكلام ، فإذا عرفت هذا زال عنك أشكال كبير في فهم كلام شيخ الإسلام – رحمه الله – في هذا الموضع وفي غيره إن شاء الله ، انتهى كلام الكاتب .
قلت : المفهوم من السياق والسباق أن شيخ الإسلام قصد بقوله ” فهذا نوع غير النوع الأول ” أي فهذا الامتناع عن التزام التحريم نوع غير الاستحلال ، لا كما فهم الكاتب هداه الله .
يدل على ذلك قوله في أول المبحث ” الوجه الثالث إن العبد إذا فعل الذنب مع اعتقاد أن الله حرمه عليه واعتقاد انقياده لله فيما حرمه وأوجبه فهذا ليس بكافر فأما إن اعتقد أن الله لم يحرمه أو أنه حرمه لكن امتنع من قبول هذا التحريم وأبى أن يذعن لله وينقاد فهو إما جاحد أو معاند ” فسماه جاحداً أو معانداً ثم ذكر أن معاندته تلك تنافي تصديقه بالربوبية ، ثم قال ” وبيان هذا أن من فعل المحارم مستحلاً لها فهو كافر بالاتفاق ، فإنه ما آمن بالقرآن من استحل محارمه ، وكذلك لو استحلها من غير فعل ، والاستحلال اعتقاد انها حلال له وذلك يكون تارة باعتقاد ان الله احلها وتارة باعتقاد ان الله لم يحرمها ، وتارة بعدم اعتقاد أن الله حرمها ” فكلامه السابق عن الاستحلال بجميع صوره ثم بين أن ذلك إنما يكون لخلل في الإيمان بالربوبية ولخلل في الإيمان بالرسالة ، ويكون جحداً محضاً غير مبني على مقدمة ، ثم شرع يذكر نوعاً آخر من أنواع الكفر غير الاستحلال ، وهو عدم الالتزام ، فقال ” وتارة يعلم أن الله حرمها ، ويعلم أن الرسول إنما حرم ما حرمه الله ، ثم يمتنع عن التزام هذا التحريم ، ويعاند المُحَرِّم ، فهذا أشد كفراً ممن قبله ” ثم شرع يبين أن هذه المعاندة وعدم الإقرار والالتزام إنما حصل ” لخلل في اعتقاد حكمة الآمر وقدرته فيعود هذا إلى عدم التصديق بصفة من صفاته ، وقد يكون مع العلم بجميع ما يصدق به تمرداً أو اتباعاً لغرض النفس ، وحقيقته كفر ؛ هذا لانه يعترف لله ورسوله بكل ما اخبر به ويصدق بكل ما يصدق به المؤمنون لكنه يكره ذلك ويبغضه ويسخطه لعدم موافقته لمراده ومشتهاه ويقول انا لااقر بذلك ولا التزمه وابغض هذا الحق وانفر عنه ” ثم قال رحمه الله ” وتكفير هذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام والقرآن مملوء من تكفير مثل هذا النوع ” .
فهل هذا الذي يكون معلوماً بالاضطرار من دين الإسلام والقرآن مملوء من تكفير مثله يحتاج إلى استنباط وتكلف من الكاتب حتى يقنعنا أن شيخ الإسلام إنما أراد به الاستحلال العملي ! .
وهل هذا الذي يكون معلوماً بالاضطرار من دين الإسلام والقرآن مملوء من تكفير مثله هو مجرد التزام الترك لآحاد الواجبات حتى يحتج به بعضهم على كفر تارك الزكاة ، وغيرها من الفرائض .
ويؤيد ما قررناه في بيان مذهب شيخ الإسلام في مسألة الاستحلال قوله في الفتاوى الكبرى (3/130) : ” وقد روي في استحلال الفروج حديث رواه إبراهيم الحربي بإسناده عن مكحول عن أبي ثعلبة عن النبي صلى الله عليه وسلم (أول دينكم نبوة ورحمة ثم ملك ورحمة ثم ملك وجبرية ثم ملك عضوض يستحل فيه الحر والحرير) يريد استحلال الفروج من الحرام والحر بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء المهملة هو الفرج ويشبه و الله أعلم أن يكون أراد بذلك ظهور استحلال نكاح المحلل واستحلال خلع اليمين ونحو ذلك مما يوجب استحلال الفروج المحرمة فإن الأمة لم يستحل أحد منهم الزنا الصريح ولم يرد بالاستحلال مجرد الفعل فإن هذا لم يزل موجودا في الناس ثم لفظ الاستحلال إنما يستعمل في الأصل فيمن اعتقد الشيء حلالا والواقع ليس كذلك “
فتأمل قوله ” ولم يرد بالاستحلال مجرد الفعل ” وقوله “لفظ الاستحلال إنما يستعمل في الأصل فيمن اعتقد الشيء حلالا والواقع ليس كذلك “
قلت : والصحيح أن هنالك فرقاً بين عدم الانقياد أوالتزام الترك لجنس العمل وبين التزامه لآحاد الواجبات فأهل السنة يكفرون بالأول خلافاً للمرجئة ، دون الثاني خلافاً للخوارج ، إلا الصلاة فقد جاءت النصوص الصريحة الدالة على كفر تاركها ونقل الإجماع في ذلك ( وقد فصلت ذلك في كتابي اجتماع الأئمة ).
رابعاً) معنى التبديل في كلام شيخ الإسلام وغيره من العلماء .
قال شيخ الإسلام ( 3/267) ” والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه أو حرم الحلال المجمع عليه أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء وفي مثل هذا نزل قوله – على أحد القولين – (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) أي هو المستحل للحكم بغير ما أنزل الله ، ولفظ الشرع يقال في عرف الناس على ثلاثة معان :
1) الشرع المنزل وهو ما جاء به الرسول وهذا يجب اتباعه ومن خالفه وجبت عقوبته .
2) والثاني الشرع المؤول وهو آراء العلماء المجتهدين فيها كمذهب مالك ونحوه فهذا يسوغ اتباعه ولا يجب ولا يحرم وليس لأحد أن يلزم عموم الناس به ولا يمنع عموم الناس منه .
3) والثالث الشرع المبدل وهو الكذب على الله ورسوله أو على الناس بشهادات الزور ونحوها والظلم البين ، فمن قال إن هذا من شرع الله فقد كفر بلا نزاع كمن قال إن الدم والميتة حلال ولو قال هذا مذهبي ونحو ذلك ” أ.هـ
فتأمل قوله ” فمن قال إن هذا من شرع الله فقد كفر بلا نزاع ” ، يظهر لك الجواب على خوارج العصر حينما يجادلون أهل السنة بقولهم : كيف نعرف أن الحاكم قد استحل على قولكم !!.
خامسا) قول أئمة العصر :
أولاً ) قول شيخنا إمام العصر عبد العزيز ابن باز –رحمه الله- وأقواله في هذا الباب كثيرة مشهورة منها :
سئل سماحته : هل تبديل القوانين يعتبر كفراً مخرجاً من الملة ؟ فأجاب –رحمه الله-: [إذا استباحه . إذا استباحها يعتبر كافراً كفراً أكبر ، أما إذا فعل ذلك لأسباب خاصة من أجل الرشوة ، أو من أجل إرضاء أشخاص ، ويعلم أنها محرمة فإنه يكفر كفراً دون كفر . أما إذا فعلها مستبيحاً يكون كفراً أكبر . أي إذا استحل الحكم بقانون بغير الشريعة فإنه يكون كافراً ، أما إذا فعلها لأسباب مثل الرشوة أو العداوة ، أو من أجل إرضاء بعض الناس ، و ما أشبه فإن ذلك يكون كفراً دون كفر ، وهذا الحكم يشمل جميع الصور ، وسواء التبديل و غير التبديل ، ويجب على ولي الأمر أن يمنع ذلك وأن يحكم بشرع الله .
ثم سئل سماحته : هل هناك فرق بين التبديل وبين الحكم في قضية واحدة ؟! يعني فيه فرق في هذا الحكم بين التبديل ككل والحكم في قضية واحدة ؟ التبديل يا شيخ ؟
فقال سماحتة – رحمه الله – : [إذا كان لم يقصد بذلك الاستحلال ، وإنما حكم بذلك لأجل أسباب أخرى يكون كفراً دون كفر ، أما إذا قال : لا حرج بالحكم بغير ما أنزل الله ، وإن قال الشريعة أفضل ، لكن إذا قال ما في حرج مباح يكفّرُ بذلك كفراً أكبر سواءٌ قال إن الشريعة أفضل ، أو مساوية ، أو رأى أفضل من الشريعة كله كفر . ].
ثم سئل: يعني هذا الحكم يشمل التبديل وعدم التبديل يعني يشمل كل الأنواع ؟ فقال سماحتة – رحمه الله- : جميع الصور في جميع الصور . لكن يجب أن يمنع ، ويجب منع ذلك ، وهو كفر دون كفر ولو قال ما قصدت ولو قال ما استحليته بيني وبين فلان عداوة أو رشوة يجب أن يمنع ، فلا يجوز لأحد أن يحكم بغير ما أنزل الله مطلقاً ، ولو كان بينه وبين المحكوم عليه عداوة أو لأسباب أخرى يجب المنع من ذلك يجب على ولي أمره أن يمنعه من ذلك ، وأن يحكم بشرع الله . ].
ومن ذلك قوله [112]” لا إيمان لمن اعتقد أن أحكام الناس وآراءهم خير من حكم الله ورسوله ، أو تماثلها وتشابهها ، أو أجاز أن يحل محلها الأحكام الوضعية والأنظمة البشرية ، وإن كان معتقداً بأن أحكام الله خير و أكمل و أعدل “
فكلام الشيخ ابن باز –رحمه الله- ظاهر في أنه لا يرى الحكم بالقوانين الوضعية كفراً مخرجاً من الملة على الإطلاق ، بل لابد من الاستحلال ، ومثله ما صدر عن الشيخ الألباني ووافقه عليه الشيخ ابن باز رحمهما الله .
ثانياً ) قول أئمة الدعوة المتقدمين :
قال الشيخ العلاّمة عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن – رحمه الله – وهو يتحدث عن شبه الخوارج : ” إن جميع الأحكام الشرعية إذا صدرت عما في الكتاب والسنة فهما الحاكمان، ولا ينسب الحكم إلى الرجال إلا بقيد ، وجاءت السنة بأن الطاعة في المعروف، وهو ما أمر الله به ورضيه من الواجبات والمستحبات. وإنما يحرم التحكيم إذا كان المستند إلى شريعة باطلة تخالف الكتاب والسنة، كأحكام اليونان والافرنج والتتر قوانينهم التي مصدرها آراؤهم وأهواؤهم، وكذلك سوالف البادية وعاداتهم الجارية، فمن استحل الحكم بهذا في الدماء أو غيرها فهو كافر، قال – تعالى -: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}، وهذه الآية ذكر فيها بعض المفسرين: أن الكفر المراد هنا كفر دون الكفر الأكبر، لأنهم فهموا أنها تتناول من حكم بغير ما أنزل الله، وهو غير مستحل لذلك ، ولكنهم لا ينازعون في عمومها للمستحل ، وأن كفره مخرج عن الملة..” ا. ه (منهاج التأسيس والتقديس، ص: 70 طبعة الهداية 1407 ، ص53 طبعة 1366 بتصحيح الفقي).
قال الشيخ سليمان بن سحمان في إرشاد الطالب (ص9 ، مطبعة المنار 1340هـ) ” ينبغي أن يعلم أن من تحاكم إلى الطواغيت أو حكم بغير ما أنزل الله واعتقد أن حكمهم أكمل و أحسن من حكم الله ورسوله فهذا ملحق بالكفر الاعتقادي المخرج من الملة كما هو مذكور في نواقض الإسلام العشرة ، وأما من لم يعتقد ذلك لكن تحاكم إلى الطاغوت وهو يعتقد أن حكمه باطل فهذا من الكفر العملي ” .
قلت : والتحاكم إلى الطاغوت في عصر الشيخ كان متمثلاً في التحاكم إلى سوالف الجاهلية وهي قوانين وضعيه اتفق عليها بعض البدو وفرضوها على قبائلهم .
قال الشيخ ابن سحمان رحمه الله في منهاج أهل الحق والاتباع ( ص9 ، مطبعة المنار 1340هـ) : ” ثم بعد ذلك أنثلت ولاية آل سعود ثم صار الأمر بعد ذلك لآل الرشيد وحصل من أهل نجد إعراض عن الدين وضعف أمر الإسلام منهم حتى غلب على أكثرهم الجهل ونسيان ما كانوا عليه أولاً فنبذوا شرع الله وراء ظهورهم وصاروا يتحاكمون إلى الطواغيت وسوالف الآباء والأجداد ” .
سادساً) تعلق مسألة الحكم بأقسام التوحيد الثلاثة :
قال بعضهم في كتاب له بعنوان الحكم بغير ما أنزل الله :
إن التشريع حق لله وحده وأن من شرَّع فإنه يلزمه أمران : رفض شريعة الله إذ لو لم يرفضها لما استبدل بها غيرها والثاني أنه تعدى على حق من حقوق الله وأن ذلك ينافي التوحيد بأقسامه الثلاثة .أ.هـ
وهذه الشبهة ليست جديدة وفيما يظهر أنه قد تلقفها عن غيره – يدل على ذلك مواضع في رسالته ليس هذا محل بسطها ولا محل بيان ما في تلك الرسالة من تناقض وتدليس واضح .
وقبل الجواب عن هذه الشبة أحب أن أنبه على أن كلامنا هنا منصب على مسألة وضع حكم مخالف لما أنزل الله –كما في بعض القوانين التجارية مثلاً – لأننا نعرف من الواقع أن بعض الحكام قد يقننون أو يتحاكمون إلى فقرات في قانونهم الوضعي لا يختلف إثنان أنها من الكفر الأكبر فهذه مكفرات أجنبية عن مسألتنا التي نريد أن نبحثها.
فنقول رداً على أصل تلك الشبهة : لا شك أن الحكم بما أنزل الله له تعلق بأقسام التوحيد الثلاثة ، فكون الله هو الحاكم وله الحكم فهذا يدل على توحيد الأسماء والصفات وتوحيد الربوبية وكون أن العبد مأمور بالتحاكم إلى شريعة الله فهذا يدل على توحيد العبادة وهو توحيد الألوهية لكن الذي ينبغي التنبيه عليه أن الشرك هنا في توحيد الربوبية بمعنى إعطاء حق التشريع – أي تشريع – لغير الله ليس بالضرورة أن يكون صاحبه مشركاً شركاً أكبر لأمرين:
الأول ) ليس كل تشريع يخالف أحكام الشريعة ، فإذا كان المقصود بالتشريع ما يتعبد به بحيث يكون فيه تحليلٌ للحرام وتحريمٌ للحلال ، فهذا لا يكون إلا لله فمن أعطى هذا الحق لغير الله فقد أشرك مع الله ، وشركه هذا متعلق بالربوبية والأسماء والصفات وهو من الأكبر بالإجماع . أما من شرع قانوناً – كبعض قوانين المرور مثلاً – تدعو إليه المصلحة فهل يقال أنه قد شارك الله في صفة وفعل اختص الله به وهل يقال لمن قبل مثل هذا القانون وعمل به أنه قد أعطى مخلوقاً حق التشريع من دون الله . ولا يقال هنا أن هذا ليس فيه مخالفة لحكم الله كما قرر الكاتب لأننا سنقول أن الخلاف حول التشريع ذاته وليس حول كونه مخالفاً أم موافقاً ولكن نقول تنزلاً مع الخصم ما الدليل على أنه إذا كان مخالفاً فإنه كفر و إذا لم يكن مخالفاً فإنه ليس كفراً ، لن يستطيع المخالف أن يجد دليلاً على ذلك إلا وفيه القيد السابق، إذاً المسألة فيها تقييد لابد من التنبه له فرجع الأمر حينئذ إلى التحليل والتحريم أو الجحود كما جاء في كلام من عاصروا مثل هذه الوقائع من أئمة العصر . وأقوى ما استدل به الكاتب على قوله ، أنه زعم أن المسألة مجمع عليها فحينئذ كل من وضع تشريعاً عاماً مخالفاً لما أنزل الله أو حكَّمه فهو كافر خارج من الملة بمجرد الفعل .
وسيأتي بيان حقيقة هذا الإجماع المدعى وأنه في حق المستحل مثله مثل باقي المعاصي التي دون الكفر، والغريب أن الكاتب قد نص على أن هذه المسألة لم تعرف قبل زمن شيخ الإسلام وابن كثير فلا أدري كيف تجرأ على نقل الإجماع على ما تصوره وفرَّق بين حكم هذه المسألة وما يذكره علماء أهل السنة في اشتراط الاستحلال في باقي المعاصي ، إلا أن يقصد إجماع العلماء في عهد شيخ الإسلام فدون إثبات ذلك خرط القتاد .
فقد ذكر شيخ الإسلام أن التتار الذين حكموا بالياسق وهو كتاب مأخوذ من الشرائع المنسوخة والإسلام ، أنهم يعتقدون أن اليهودية والنصرانية والإسلام بمنزلة المذاهب الأربعة فتأمل ، ففي مجموع الفتاوى ( 28/ 523) قال : ” وكذلك الأكابر من وزرائهم وغيرهم يجعلون دين الإسلام كدين اليهود والنصارى وأن هذه كلها طرق إلى الله بمنزلة المذاهب الأربعة عند المسلمين ” .
الثاني ) أن الشرك في الربوبية منه ما هو شرك أكبر ومنه ما هو شرك أصغر ، حسب اعتقاد الواقع فيه ، ولا يقال أن من اتبع حكم القانونيين وهو يعلم أنه على ذنب أنه قد أعطى المخلوق حق التشريع من دون الله لأن هذا الأمر يتعلق بالاعتقاد كما قررنا وهو بهذه العقيدة الباطلة كافر ولو كان في مسألة يوافق حكمها حكم الله.
أما بدون هذه العقيدة كأن يفعل ذلك إتباعاً للهوى أو تحقيقاً لمصلحة دنيوية فليس عندنا ما نكفره به .
قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في مقال:(السمع والطاعة ص 10) وهو من الذين يشددون في مسألة تحكيم القوانين وممن يتأول كلامه خوارج العصر قال : ” نرى بعض القوانين تأذن بالعمل الحرام الذي لا شك في حرمته ، كالزنا وبيع الخمر ونحو ذلك ، وتشترط للإذن بذلك رخصة تصدر من جهة مختصة معينة في القوانين ، فهذا الموظف الذي أمرته القوانين أن يعطي الرخصة بهذا العمل إذا تحققت الشروط المطلوبة فيمن طلب الرخصة لا يجوز له أن يطيع ما أمر به ، وإعطاؤه الرخصة المطلوبة حرام قطعاً ، وإن أمره بها القانون ، فقد أمر بمعصية ، فلا سمع ولا طاعة ، أما إذا رأى أن إعطاء الرخصة في ذلك حلال ، فقد كفر وخرج عن الإسلام ، لأنه أحل الحرام القطعي المعلوم حرمته من الدين بالضرورة “
أما ما يتعلق بالشرك في توحيد الألوهية فلا شك أنه لا يكون إلا شركاً أكبر ولا يشترط فيه التحري عن اعتقاد صاحبه كما تقول المرجئة لكن هل يقال لمن حكم بغير ما أنزل الله أنه صرف العبادة لغير الله ، ليس الأمر كذلك لأنه في حقيقة الأمر خالف حكم الله ولم يصرف شيئاً من العبادة لغير الله .
وختاماً فإنني أرى أن نشر مثل هذا الكتاب في بلاد التوحيد سوف يجر علينا فتناً لا يعلمها إلا الله فنحن نعلم أنه ما من دولة إلا ويطبق فيها القانون الوضعي ولو كان في بعض النواحي دون بعضها الآخر فما عسى سيكون جواب هذا الكاتب ومن سلك مسلكه إذا قال له بعض الجهلة ، إن الحكام بهذا التقعيد الذي قرره يكونون كفاراً . لا شك أنه سيقول كما نبه على ذلك في آخر كتابه أن هذه دراسة نظرية وأما تطبيقها على الواقع فلابد من توفر شروط وامتناع موانع ، فواعجباً ما عسى تلك الشروط وتلك الموانع فهل يمكن أن يكون من وقع في هذا الأمر من أهل هذا العصر مجتهداً حتى يعذر أم متأولاً تأويلاً سائغاً، أم جاهلاً لم تقم عليه الحجة أم أنه غير مكلف أم مكرهاً إكراهاً يعذر به ، نترك الجواب للكاتب ولمن هو على رأيه ، نسأل الله أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه .
سابعاً) رد دعوى الإجماع المفترى وعكسه على صاحبه :
يحتج بعضهم على أن تحكيم القوانين وجعلها نظاماً عاماً يعد كفراً أكبر بالإجماع ، فما هو حقيقة الإجماع الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن كثير رحمهما الله .
يفهم المقصود بالإجماع وعلى أي شيء كان من النقل التالي عن شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (3/267) : قال رحمه الله تعالى ” والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه أو حرم الحلال المجمع عليه أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء “
فالمقصود هنا التحليل والتحريم وهذا منقول فيه الإجماع في كل المعاصي وليس فقط الحكم بغير ما أنزل الله.
وأما التبديل فقد بين معناه عقب هذا النص بقوله ” الشرع المبدل هو الكذب على الله ورسوله أو على الناس بشهادات الزور ونحوها والظلم البين فمن قال : إن هذا من شرع الله فقد كفر بلا نزاع كمن قال إن الدم والميته حرام ” ، وقد سبق الكلام في مسألة التبديل .
وفي البداية والنهاية (13/119) قال ابن كثير رحمه الله وهو يتحدث عن الياسا (الياسق) ” وفي ذلك كله مخالفة لشرائع الله المنزلة على عباده الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين”.
وهذا القياس الذي قال به ابن كثير وهو عمدته في نقل الإجماع قياس صحيح وهو الذي يسميه العلماء القياس الأولوي ، لأن الحكمان مبنيان على نسبتهما إلى الشرع كما سبق ، وأما قياس خوارج العصر وهو قولهم إذا كان تحكيم شرع الله المنسوخ كفر فتحكيم قانون اليونان ولو في مسألة واحدة أشد كفراً فهذا من جنس قياس المشركين الذي أبطله القرآن عندما أحلوا به الميتة .
وفي التفسير قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى ” أفحكم الجاهلية يبغون ” المائدة 50 ” وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذه عن ملكهم جنكيز خان الذي وضع لهم الياسق وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فصارت في بنيه شرعاً متبعاً يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله”
وهذا هو واقع التتار فقد بين شيخ الإسلام أن التتار كانوا يعدون الياسق الذي اقتبسوه من شرائع شتى ، بمنزلة المذاهب الأربعة عند المسلمين .
ففي مجموع الفتاوى ( 28/ 523) ” وكذلك الأكابر من وزرائهم وغيرهم يجعلون دين الإسلام كدين اليهود والنصارى وأن هذه كلها طرق إلى الله بمنزلة المذاهب الأربعة عند المسلمين ” .
بل ذكر شيخ الإسلام أن أتباع جنكيزخان كانوا يعتقدون فيه صفات الألوهية وبعضهم يعتقد أنه يوحى إليه .
فليس المقصود أنهم جمعوا أموراً أخرى مكفرة إلى جانب الحكم بغير ما أنزل الله كما ظن بعضهم فهذا أمر آخر لا يعنينا هنا فتنبه !! .
فالتحاكم إلى قانون لا يقره الشرع ، ونسبة ذلك إلى الشرع أو أن الشرع يقره أو القول بجواز الحكم به كفر بالإجماع قال الإمام اسماعيل بن اسحاق القاضي ” فمن فعل مثل ما فعلوا ( أي اليهود ) واقترح حكماً يخالف به حكم الله وجعله ديناً يعمل به فقد لزمه مثل ما لزمهم من الوعيد المذكور حاكماً كان أو غيره “
انتهى المقصود .

Author: DrSaud.Com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *