العلم ووجوب تعلمه حتى على العامي

العلم ووجوب تعلمه حتى على العامي كلٌ حسب قدرته :

أساس العلم : الكتاب وصحيح السنّة 

ومنهما تستنبط باقي العلوم وهي علوم المقاصد :

كالعقيدة والتوحيد والفقه والرقائق والآداب الشرعية

وللتمكن في فهمهما لابد من علوم الوسائل وعلوم الآلة :

وهي علوم القرآن 

وعلوم الحديث (رواية ودراية ) 

وعلم أصول الفقه

وعلوم اللغة العربية التي يتوصل بها إلى فهم الكتاب والسنّة

فهذه هي علوم الشريعة .

فمنها ما تعلُمه فرض عين ومنها ماهو فرض كفاية 

قال شيخ الإسلام (مجموع الفتاوى 28/80) ”  وطلب العلم الشرعي فرض على الكفاية إلا فيما يتعين مثل طلب كل واحد علم ما أمر الله به وما نهاه عنه فإن هذا فرض على الأعيان كما أخرجاه في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال  : ( مَنْ يُرِدِ االله بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ) ” ا.هـ

ففرض العين يتلخص في كل ما أمرك الله به وما نهاك عنه ومنه ما هو فرض عين على العموم أي يجب على كل مكلف تعلمه ومنه ماهو فرض عين على الخصوص وهذا الأخير يجعل بعض العلوم التي من فروض الكفاية فرض عين على فئة من الناس .

ثم قال رحمه الله في بيان معنى الحديث السابق كما في مجموع الفتاوى (20/212) :

” ولازم ذلك أن من لم يفقهه الله في الدين لم يرد به خيراً . فيكون التفقه في الدين فرضـاً . والتفقه في الدين : معرفة الأحكام الشرعية بأدلتها السمعية فمن لم يعرف ذلك لم يكن متفقهاً في الدين ، لكن من الناس من قد يعجز عن معرفة  الأدلة التفصيلية في جميع  أموره ، فيسقط  عنه ما يعجز عن معرفته  لا كل ما يعجز عنه من التفقه ، ويلزمه ما يقدر عليه  “

قال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب في الأصول الستَّة (انظر الدرر السنيَّة 1/172) ” من أعجب العجائب وأكبر الآيات الدالات على قدرة الملك الغلاَّب : ستة أصول بينها الله تعالى بياناً واضحاً للعوام فوق ما يظنه الظانُّون ثم بعد هذا غلط فيها كثير من أذكياء العالم وعقلاء بني آدم إلا أقل القليل … ثم ذكر رحمه الله تلك الأصول ومنها قال ” الأصل الرابع: بيان العلم والعلماء ، والفقه والفقهاء ، وبيان من تشبه بهم وليس منهم ، ….. ثم صار هذا أغرب الأشياء ، وصار العلم والفقه هو البدع والضلالات ، وخيار ما عندهم لبس الحق بالباطل ، وصار العلم الذي فرضه الله على الخلق ومدحه ، لا يتفوه به إلا زنديق أو مجنون ، وصار من أنكره وعاداه ، وجدَّ في التحذير عنه ، والنهي عنه ، هو الفقيه العالم .” 

وبعد الأصل الخامس قال ” الأصل السادس : رد الشبهة التي وضعها الشيطان في ترك القرآن والسنَّة ، و اتباع الآراء والأهواء المتفرقة المختلفة. وهي : أن القرآن والسنَّة لا يعرفهما إلا المجتهد المطلق ، والمجتهد هو الموصوف بكذا وكذا ، أوصافاً لعلها لا توجد تامة في أبي بكر وعمر ، فإن لم يكن الإنسان كذلك ، فليعرض عنهما فرضاً حتماً لا شك ولا إشكال فيه ، ومن طلب الهدى منهما ، فهو إما زنديق ، وإما مجنون ، لأجل صعوبة فهمهما ، فسبحان الله وبحمده ، كم بيَّن الله سبحانه شرعاً وقدراً ، خلقاً وأمراً ، في رد هذه الشبهة الملعونة من وجوه شتى ، بلغت إلى حد الضروريات العامة “.

فتأمل كلامه رحمه الله في رد شبهة من قال ( أن القرآن والسنَّة لا يعرفهما إلا المجتهد .. ) .

وقد نقل بعض علماء الصدر الأول أمثلة على ماهو فرض عين على العموم ومن ذلك :

ماجاء في الإبانة لابن بطة (1/260) عن الضحاك بن مزاحم قال : ” إن أحقّ مابدأ به العبد من الكلام أن يحمد الله ويثنى عليه. فالحمد لله نحمده ونثنى عليه بما اصطنع عندنا أن هدانا للإسلام وعلمنا القرآن ومنَّ علينا بمحمد عليه السلام وأن دين الله الذى بعث به نبيه صلى الله عليه وسلم هو الإيمان، والإيمان هو الإسلام وبه أرسل المرسلون قبله، فقال تعالى: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون).

وهو الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين والتصديق والإقرار بما جاء من الله والتسليم لقضائه وحكمه والرضا بقدره، وهذا هو الإيمان ومن كان كذلك فقد استكمل الإيمان، ومن كان مؤمناً حرَّم الله ماله ودمه ووجب له مايجب على المسلمين من الأحكام، ولكن لايستوجب ثوابه ولاينال الكرامة إلا بالعمل فيه، واستيجادُ ثواب الإيمان عملٌُ به.

والعمل به اتباع طاعة الله تبارك وتعالى فى أداء الفرائض واجتناب المحارم، والاقتداء بالصالحين، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا، ومحافظة على إتيان الجمعة والجهاد في سبيل الله والاغتسال من الجنابة وإسباغ الطهور وحُسْن الوضوء للصلاةوالتنظيف.

وبر الوالدين وصلة الرحم وصلة ما أمر الله به أن يوصل، وحُسْن الخلق مع الخلطاء، واصطناع المعروف إلى الأقرباء ومعرفة كل ذي حق حقه من والدٍ فوالدةٍ فولدهِ فذِى قرابةٍ فيتيمٍ فمسكين ٍفابن سبيلٍ فسائلٍ فغارمٍ فمكاتبٍ فَجَارٍ فصاحبٍ فما ملكت اليمين، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والحب فى الله تعالى والبغض فى الله، وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه، والحكم بما أنزل الله، وطاعة ولاة الأمر، والغضب والرضا ووفاء بالعهد وصدق الحديث ووفاء بالنذور وإنجاز الموعود، وحفظ الأمانة من كتمان السر أو المال وأداء الأمانة إلى أهلها، وكتاب الدين المؤجل بشهادة ذوي عدول، والاستشهاد على المبايعة، وإجابة الداعى للشهادة، وكتابة بالعدل كما علَّم الله، وقيام الشهادة على وجهها بالقسط ولو على النفس والوالدين والأقربين، ووفاء الكيل والميزان بالقسط، وذكر الله تعالى عند عزائم الأمور وذكر الله تعالى على كل حال، وحفظ النفس وغض البصر وحفظ الفرج وحفظ الأركان كلها عن الحرام، وكظم الغيظ ودفع السيئة بالحسنة، والصبر على المصائب، والقصد فى الرضا والغضب، والاقتصاد في المشى والعمل، والتوبة إلى الله تعالى من قريب، والاستغفار للذنوب، ومعرفة الحق وأهله، ومعرفة العدل إذا رأى عامله، ومعرفة الجور إذا رأي عامله كيما يعرفه الإنسان من نفسه إن هو عمل به، والمحافظة على حدود الله، وردِّ ما اختلف فيه من حكم أو غيره إلى عالمه وجسور على مالم يختلف فيه من قرآن منزل وسنة ماضية فإنه حق لاشك فيه، وردِّ مايتورع فيه من شيء إلى أولي الأمر الذين يستنبطونه منهم، وترك مايريب إلى مالا يريب، واستئذان في البيوت، فلا يدخل البيت حتى يستأذن ويسلم على أهله من قبل أن ينظر فى البيت أو يستمع فيه فإن لم يجد فيها أحداً فلا يدخل بغير إذن أهلها فإن قيل: ارجعوا فالرجوع أزكى وإن أذنوا فقد حل الدخول، وأما البيوت التي ليس فيها سكان وفيها المنافع لعابر السبيل أو لغيرهم يسكن فيها ويتمتع فيها فليس فيها استـئــذان، واستئـذان ما ملكت اليمين صغيراً أو كبيراً ومن لم يبلغ الحلم من حرمة أهل البيت ثلاثة أحيان من الليل والنهار أو آخر الليل قبل الفجر وعند القيلولة إذا خلا رب البيت بأهله ومن بعد صلاة العشاء إذا أوى رب البيت وأهله إلى مضاجعهم، وإذا بلغ الأطفال من حرمة أهل البيت الحُلُم فقد وجب عليه من الاستئذان كل هذه الأحيان.

واجتناب قتل النفس التى حرم الله إلا بالحق، واجتناب أكل أموال الناس بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منهم. واجتناب أكل أموال اليتامى ظلماً، واجتناب شرب الخمر، واجتناب شرب الحرام من الأشربة والطعام، واجتناب أكل الربا والسحت، واجتناب أكل القمار والرشوة والغَصْب، واجتناب النجش والظلم، واجتناب كسب المال بغير حق، واجتناب التبذير والنفقة فى غير حق، واجتناب التطفيف في الوزن والكيل واجتناب نقص المكيال والميزان، واجتناب نكث الصفقة وخلع الأئمة، واجتناب الغدر والمعصية، واجتناب اليمين الآثمة واجتناب برِّ اليمين بالمعصية، واجتناب الكذب والتزيد فى الحديث، واجتناب شهادة الزور، واجتناب قول البهتان، واجتناب قذف المحصنة، واجتناب الهمز واللمز واجتناب التنابز بالألقاب، واجتناب النميمة والاغتياب، واجتناب التجسس، واجتناب سوء الظن بالصالحين والصالحات، واجتناب الإصرار على الذنب والتهاون به، واتقاء الإمساك عن الحق والتمادى في الغى والتقصير عن الرشد، واتقاء الكبر والفخر والخيلاء واتقاء الفجور والمباراة بالشر.. واتقاء الإعجاب بالنفس، واتقاء الفرح والمرح، والتنزه من لفظ السوء والتنزه عن الفحش وقول الخنا والتنزه من سوء الظن، والتنزه من البول والقذر كله.

فهذه صفة دين الله وهوالإيمان وماشرع الله فيه من الإقرار بماجاء من عند الله وبَيَّن من حلاله وحرامه وسننه وفرائضه، قد سمى لكم ما ينتفع به ذوو الألباب من الناس، وفوق كل ذي علم عليم. ويجمع كل ذلك التقوى فاتقوا الله واعتصموا بحبله ولاقوة إلا بالله أسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما نبلغ به رضوانه وجنته.”

وعند التطبيق نجد أن الناس من جهة تلقي الأحكام ثلاثة أصناف مقلد ومتبع ومجتهد ، فالمقلد هو العامي – الذي لا يفقه الأدلة – كحال كثير من الأعراب الأميين وليس كل عامي فهذا مذهبه مذهب مفتيه كما يذكر ذلك العلماء . 

المتبع هو الذي لا يعمل إلا بالدليل ، والمجتهد هو الذي وصل إلى درجة استنباط الأحكام من الأدلة ، وهذا لا يحصل لأحد إلا بتوفر شروط وامتناع موانع ، والعلماء يذكرون في هذا الباب أنَّ الاجتهاد نوعان اجتهاد مطلق ، واجتهاد في المذهب ولسنا بحاجة إلى تفصيل هذين الأمرين . المهم أن تعلم أن دائرة الاجتهاد على الرغم من أنها لم تغلق إلا أنها ضيَّقة وكذلك دائرة التقليد ، إلا أنها أضيق من دائرة الاجتهاد  .  

وذلك لأن الأصل في كل مسلم أن يكون متبعاً تحقيقاً لأمر الله سبحانه وتعالى   ( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه  أولياء ) . بل إن اتباع الدليل يتأكد عند الخلاف والتنازع اتباعا لأمر  الله سبحانه وتعالى ( فإن تنازعتم في شيء فردُّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر)  .

 ولذلك يقول شيخ الإسلام رحمه الله ” ليس لأحد أن يحتج بقول أحد في مسائل النزاع ” (انظر مجموع الفتاوى 26/202)  .

قلت : وذِكْرنا للعامي هنا وتخصيصه بالذكر المقصود به بيان أهمية مرتبة الاتباع وأنه لا يعذر أحد بتركها إلا ماندر والنادر لا حكم له .

وقد تكلم العلماء في فتوى العامي لغيره مما يدل أنه كغيره مكلف باتباع الدليل .

قال الإمام النووي في المجموع (1/78) ” ذكر صاحب الحاوي في العامي إذا عرف حكم حادثة بناء على دليلها ثلاثة أوجه:

أحدها: يجوز أن يفتي به، ويجوز تقليده ، لأنه قد وصل إلى العلمه كوصول العالم .

والثاني: يجوز إن كان دليلها كتاباً أو سنة ، ولا يجوز إن كان غيرهما . 

والثالث: لايجوز مطلقاً وهو الأصح “.

وذهب ابن القيم إلى ترجيح الوجه الثاني أي الجواز إذا كان الدليل كتاباً أو سنة، فقال “إذا عرف العامي حكم حادثة بدليلها فهل له أن يفتي به ويسوغ لغيره تقليده فيه ؟ ففيه ثلاثة أوجه للشافعية وغيرهم، أحدها: الجواز، لأنه قد حصل له العلم بحكم تلك الحادثة عن دليلها كما حصل للعالم، وإن تميز العالم بقوة يتمكن بها من تقرير الدليل ودفع المعارض له، فهذا قدر زائد على معرفة الحق بدليله. والثاني: لا يجوز ذلك مطلقاً، لعدم أهليته للاستدلال، وعدم علمه بشروطه ومايعارضه، ولعله يظن دليلا ما ليس بدليل. والثالث: إن كان الدليل كتاباً أو سنة جاز له الإفتاء، وإن كان غيرهما لم يجز، لأن القرآن والسنة خطاب لجميع المكلفين، فيجب على المكلف أن يعمل بما وصل إليه من كتاب ربه تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ويجوز له أن يرشد غيره إليه ويدله عليه” (إعلام الموقعين) ( 4 /198 ).

Author: DrSaud.Com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *